شهادة الغراب علي أول جريمة قتل علي الأرض
هبط على الفور بحملى أمام قابيل وضعت الغراب الميت أمامى وروحت أحفر الأرض. سمعت وأنا أطير صرخة قابيل وهوا يقول: يا ويلتا أعجزة أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوئة أخي.
يشيب على الأرض كل شئ ما إلا ريش الغراب؛ من رائه ما رائيناه وأحتمل لا يشيب بعد ذلك.
كمخلوق كنت شاهد على إثبات أول جريمة قتل ترتكب على الأرض شاهدة أول دم إنسان يسفك غدرا.
![]() |
قصة قابيل وهابيل |
كنت أعرف أن الله تعالى يسمع ويرى ويشهد، كان يوما شديد الرعب. أعرف أن الشيطان هوا السبب فما أغرب تصرفات الشيطان، وما أغرب إنقياد بنى أدم له.
أثبتم لنا بعد قصة قصة قابيل وهابيل الناس الله ويعصونه، ويكرهون الشيطان ويطيعونه. فما أغرب تصرفات هذا المخلوق الذى يدعى الإنسان، وما أفضح تناقضاته، وما أعظم حلم الله عليه، ورحمته به.
يقول الناس عن الأيام السوداء: التى تمر بهم كانت أسود من لون ريش الغراب، أعلم أن لون الأغربة الأسود يثير ضيق بعض الناس ولكن؛ أعظم الريش سودا فينا لا يقارن بقلب بنى البشر، إذا إسود قلبه.
أعرف أن الناس يسخرون من مشية الغراب؛ لأنه يحجل أثناء سيره كمجنون يمشى على الجمر، فهوا يتواثب ولا يستقر خطوة، ولنفترض أن مشيتا غريبة لإننا نقفذ ونحجل، أليس هذا أمرا طبيعيا بعدما رأينا من ظلم الإنسان لإخيه الإنسان.
كنا نسير قبل خلق الإنسان، فنتهادا على الأرض ملوكا بلوننا الأسود، ومشيتنا القافذة، وبعد أن رأينا أخا يقتل أخاه. فأنطربت مشيتنا من هول الموقف، وورث أبنائنا عاهتنا قضى الأمر.
يعتقد الناس أن صوت الغراب بالغ البشاعة، ولا يكاد أحد من بنى جنسنا يصرخ فوق شجرة حتى يتشائم الناس.
قد يكون لسان صوتنا أقل جمالا من صوت البلبل غير أنه لا يمت (بصلة للشئم). الشئم كلمة إنسانية تنطبق على تصرفات بنى أدم.
إذا نعق الغراب فوق شجرة نسى الإنسان تصرفه، وتذكر صوت ذلك الصوت وتشائم، حيلة قديمة يلجاء لها بنى أدم، وكيف لا وليس هناك مخلوق ماهر فى خداع نفسه كبنى أدم، أو أن يدنس عليها.
إتهم الغراب ظلما ب السرقة، والخطف، وعقوق الوالدين، يقول الناس عنا: أننا نسرق الكحل من العينين، ونسرق الصابون من أسطح المنازل.
ونحن لا ندرى أساسا ما الكحل- كما أننا لا نستخدم الصابون حين نستحم، لإننا لا نحتاج إليه- أجسادنا وأفكارنا ليسة ملوسة لتحتاج إليه.
أعتذر عن تلك اللهجة الحادة؛ من رأه ما رأيته عليه أن يفقد صوابه، قاض أنا فى دنيا الغربان وشاهد على دنيا الناس، يفقد القاضى عدله ونزاهته حين يفقد حيادته وأعصابه حين ينحاذ.
لقد لعبة الدورين معا؛ قاضى كنت فى الغربان عادلا كنت حين كنت محتفظ بأعصابى معا وحيدتى، فلما هبط للشهادة فى دنيا الإنسان إنخلع عنى تاج القضاة.
حينها فقدة أعصابى وصرخت، حينها بعثنى الله لإلقن إبن أدم درسا فى الرحمة، قلت يومها لقابيل ناعيا بصوتى الحاد نعرف أنك وحش قاتل.
رغم ذلك فأنك تجهل أنك إنسان يفترض فيه العلم، جاهل لا يعرف كيف يوارى سواءة أخيه. لاذلت منفعلا فمعذرتا؛ أحيانا أفكر فيما حصل بهدوء، وحيادتى كالقضاء، إن الإعتداء شئ من شيمة المخلوقات هذا صحيح.
القضاء عند جنس الغربان
أحيانا يعتدى أحد الغربان على الجماعة هذا صحيح. عند إذ تنعقد له محكمة؛ من المعروف عن الغربان أن لها محاكم تلتزم قوانين القسم والعدالة.
تدور هذه المحاكمات عندما ينتهك أحد الغربان عش غراب أخر، حينها يهدم العش ويبنى هوا غيره، أو يأكل طعام الغربان الصغيرة.
حينها تنتف الجماعة ريش الغراب حتى يصبح كالصغار، ولكل جريمة من تلك الجرائم عقوبتها. وفى حالة إغتصاب إنثى غراب تقتل الجماعة المغتصب نقرا بالمناقير.
وتنعقد محاكم الغربان عادة فى أرض فضاء، أو حقول واسعة، وهناك ينتظر الذين سابقوا بالحضور بقية الغربان حتى تصل.
ويستمر الإنتظار أيام وليالى حتى يكتمل العدد، عند إذ تعزل المحكمة المتهم، وتقيم عليه حراسة ثم تبداء محاكمة المعتدى.
ينعق الحاضرون ويرد المتهم النعيق وبعدها يرد الشهود النعيب يصفقون بأجنحتهم ثأريين، وبعدها ينعب الغراب المتهم ويصفق بأجنحته ثم ينكس رأسه.
ويتوقف عن النعيب وهذا إعترافه بالذنب حين إذ يصدر القاضى حكمه، ويبدأ الحاضرون تنفيذه حتى يموت، وبعدها يحمل أحد الحاضرين الجسة لدفنه.
قد يكون القتيل مذنب ولكن للموت حرمة، ويستوجب دفنه، وهكذا تكون الغربان قد عدلة فى الحالتين، فى الحياة والموت.
والعدل فى جنس الإنسان مكتسب ونسبى، بينما فى دنيا الغربان غريزى ومطلق.
ثمة قواعد أساسية لا تتبدل، ولا تتغير، ولا تتطور عندنا من خرج عنها خرج عن الجماعة، وأستحق النبذ والقتل.
هذه القواعد والقوانين ليسة من وضع الغربان، إنما هى حكمة خلقها الله فينا وضعها فى فطرتنا وألزم أسلافنا بها.
لا نشرع القوانين لأنفسنا؛ نعرف أن النفس تميل مع الهوا، وتنحاذ لما فيه من مصالحها، وترى الخشب البارز فى عينها قشة، وترى القشة فى عين الغير شجرة.
تجاوز جنس الغربان كل هذا إلى شاطئ الأمان حين إستسلم لتشريع الخالق سبحانه وتعالى، إن عمل قانون يلذم التجرد من الهوا وأى مخلوق يتجرد من الهوا غير الملائكة.
يذكرنى الملائكة بأيام الخلق الأولة؛ حين كان كوكب الأرض فى سلام عظيما قبل هبوط الإنسان إليها.
"أمواج البحر عذراء لم تنخرها سفينة، والرياح نقية لم تلمس جبهة إنسان، والحقول الموجودة فى الأرض كلها لم تطأها قدم بشر".
لم تزل الدنيا نقيتا لم تلونها كذبة واحدة كل شئ ينبض بالصدق، الجبال تتزين ببياضها تحت أشعة الشمس المنكسرة.
والبحار تتنهد يرتفع صدرها الأزرق وينخفض، ومن الحقول الخضراء يتصاعد عطر ذكى ينتشى به الجو، كل شئ بالغ الجمال والسحر.
كل شئ جميل فى الصورة إلا أن شئ موحش ينقص الصورة، وهو أن يدب الإنسان على الأرض وسط هذا الجمال، ويرفع يديه للأعلا ضارعا لله ويسئل.
عند إذ يبرز المظهر الحقيقى عن خلق الجمال المجرد. تكتسب الأشياء جمالا أقل ومعنا أكبر حين تخطء، وتعرف، وتتوسل. هذا شأن المعرفة دائما تخدش البراءة فى البداية، ثم تولد المعرفة بعد ذلك.
تتمتع ملائكة الله بالبرائة، أما الإنسان قد خدشت برائته فى الجنة؛ إختصبها الشيطان فى البداية لحكمة أزالية عليا، هى تعمير الأرض وسكنها، كنا نعرف أن الإنسان قادم من الجنة.
فى البداية كانت الدموع، وبكاء أدم وحواء مشهد مؤثر للغاية وعرفنا من صوت الدموع قدر الذنب، ومعنى العصيان، وصدق التوبة.
كان أدم مقيما فى التوبة، إن صح التعبير؛ يالا جلال وجهه المهيب، كان فى العينين حنان أبوة يكتسح السدود، ولا يتوقف لدى ولد دون ولد.
وأما حواء كانت أما لكل النساء على الأرض"ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا لم تغفر لنا وترحمنا لنكنن من الخاسريين". كانت هذه دعوتهما معا لله".
وضعت حواء أول بطن لها؛ لا يبيض الأدميون مثلنا نحن الغربان وإنما يلدون، كانت حواء تلد فى البطن الواحد ولدا وبنت، والبطن الثانى ولد وبنت. وكان ولد البطن الأولي يحل لبنت البطن الثانية.
ولدة حواء قابيل وأخته أقليها، وولدة هابيل وأخته ليوسا، كبرا الإخوة معا. حضر هابيل من التل وهوا يضحك وجهه يتلاقلق بطفولة أعوامه الثمانية.
وورائه يندفع قابيل وهوا يمسك بفرع شجرة محاولا أن يلعبا معا كالعادة. لست أعرف إذا كان يبدوا أحد الطفلين رقيقا كذنابق الحقل، ويبدوا الثانى كشوك الجبال.
يحدث دائما فى اللعب أن يختار قابيل دور الصياد، وهابيل دور الفريسة، ويحى اللعب وتلمع عين قابيل بالكراهية، وهوا ينهال بالضرب على هابيل بما فى يده.
فى البدء كان هابيل يضحك، وترن ضحكته بين الجبال والاشجار مثل ينبوع يضئ بالصفاء والمرح.
ويقصوا قابيل، ويمسك فرع الشجرة بكلتا يديه معا بدل يد واحدة، ويتحول وجه هابيل من الضحة إلى الألم، وينتهى رنين ضحكته إلى ما يشبه الصرخة.
ويهرع أدم إليهما فيجد هابيل جريحا، وقابيل ماضيا فى إعتدائه؛ فيصرخ أدم عليه السلام قابيل ماذا فعلت بأخيك هابيل، ويرد قابيل نحن نلعب.
وقد إختار هابيل دور الفريسة، ويصرخ أدم ويفصل بين الأخوين مؤنبا قابيل، ويمسح جراح إبنه الطيب ويحدثهما أنهما شقيقين خرج من أم واحدة، ويعيشا فوق أرض واحدة وينبغى أن يجمع بينهما الحب لا الكراهية.
وكان مايسير دهشتنى أن قابيل كان يغلق فمه القاصى، ولا يدافع عن نفسه، بينما كان هابيل يدافع عن أخيه ويتوسل لأبيه أن يصفح عنهما معا.
فى العشرين من العمر إرتفعت يد قابيل وهوت على وجه هابيل بضربة قاسية، وهوا يصرخ (هذا كوخى أنا). تركت أصابع الأخ علامة حمراء واضحة على خد شقيقه. فوجء هابيل بالإهانة، ولكنه كعادته؛ إحتدم بداخله الغضب، و كتم غيظه.
وقال: هابيل لقابيل إنظر إلى يدى لقد تسلختا فى بناء الكوخ، رد قابيل بحسم لن تبيت فى الكوخ بعد المغيب القادم للشمس. لقد تكلم قابيل، رد شقيقه بوداع.
يريد هابيل أن يقول كلمة هوا الأخر: إنى أحبك يا قابيل فلماذا لم يسمع قابيل شيئا؟ لأنه ببساطة كان قد غادر المكان.
لم أرى هابيل يحدث أدم بما وقع لم أعرف لماذا؛ ربما كان يحس أن قلب الأب يمتلئ بأحزان مصدرها؛ تصرفات قابيل، وخشيته أن يزيد أحزانه عمقا.
ربما قال لنفسه: أن تهديد قابيل كلمة لا يعنيها؟ وحين جاء الغروب القادم للشمس، فوجئ هابيل بأخيه قابيل، وهوا يقتحم عليه الكوخ.
وقبل أن يفتح هابيل فمه بكلمة كان الحجر يشق جبهته، ويفجر منها الدم وحمله قابيل وألقاه خارج الكوخ.
وضمض هابيل جرحه بالأعشاب ونام فى مكانه. وفوجئ أدم بأبنه ينام خارج كوخه، وفوجئ بدمائه المتجمدة على جبهته.
صرخ أدم نفس صرخته، وإن كانت هذه المرة تشرب من ينابيع حزن أعمق، قابيل ماذا فعلت بأخيك هابيل!.
كان قابيل لا يشبه هابيل، وكانت إقليا شقيقة قابيل لا تشبه إليوسا شقيقة هابيل. كان قابيل أقصى من هابيل، وكانت ليوسا أقل جمالا من إقليا.
وكان من المفترض أن يتزوجا كل واحد منهما توائم الأخر، بينى وبين نفسى كنت أفضل هابيل عن قابيل، وكنت مرتاحا لأنه سيتزوج الأجمل.
إن هابيل لا يغضب عندما نأكل من طعامه ذات مرة؛ رأنى واقف امام بيض دجاجاته، فمد يده وناولنى بيضة. وسررة بتعاونه مع جنس بسيط كجنس الغربان.
هذا رجل يدرك حكمة التعاون بين الخلائق، ويدرك معنا الرحمة، ورجل يعرف الله، ويحبه ويخافه.
أريد أن أركز عقلى لأضع شهادتى على جميع الخرائب والأضلال، وأحكيها فى الأمكان التى تصفر بها الرياح وحشة، فأنا كنت شاهدا على أعظم جريمة قتل ترتكب على الأرض.
صرخ قابيل لا أنا خير منه- كان الشيطان يقف وراء تلك الكلمة، قالها إبليس عن أدم، ويلقنها اليوم لإبن أدم ليقولها عن أخيه.
رفض قابيل أن يتزحزح عن موقفه، أدهشتنى جرائته ولم أعرف كيف تصرف أدم.
قال أدم لإبنيه: ليقرب كل واحد منكما قربانا إلى الله، ومن يتقبل الله قربانه كان على الحق. تنحى أدم عن الفصل بينهما وترك الأمر لمن بيده الأمر.
لم أعرف ماهوا القربان وكيف يتقبل الله القربان؟، إنتظرة أياما شغلتنى فيها دنيا الغربان بقضياها ومشاكلها، فلقد كان هناك غراب مغتصب هارب نبحث عنه لمحاكمته.
وجاء يوم تقديم القرابين إلى الله؛ جاء هابيل وهوا يحمل أثمن كباشه، ووضعه على الجبل وصلى لله تعالى داعيا أن يتقبل قربانه.
وجاء قابيل وبيده قمح أخضر لم ينضج فى سنابله. كان قابيل بخيلا، وحريصا إلى الحد الذى فشلنا فيه نحن الغربان أن نذوق طعامه.
قدم قابيل قربانه ومضى، وقف الشقيقان بعيدا، تمنيت فى قلبى بوصف قاضى غير منحاذ، أن يتقبل الله قربان هابيل.
هبطة من السماء نار فأكلة قربان هابيل، إشارة من الله تعالى؛ أن نابيل على حق، صرخ هابيل صرخة الحمد والفرح، وصرخ قابيل بكلمة القتل.
كان قابيل يقف قد مد أمامه كفيه، وراح يتأمل بنظره نقطة هناك عند الأفق، رغم صمته المطبق فقد كانت تنبعث منه موجة من العداء تكاد تحس جسديا.
كان يوما رائعا من أيام الله الشمس تنشر دفئها فى الجو، أشجار الصنوبر الممتدة على طول الأفق تستحم فى أشعة الشمس، وتأخذ جذوعها لون الكهرمان الذى تقذفه البحار.
من الجبال القريبة كانت تهب الرياح وهى تحمل من أعماق الوهاد والشعاب المغطاة بمخمل الغابات الأخضر، عبير الغابة الكبير، والزهور الإلهية.
عاد قابيل يصرخ لأقتلنك؛ لم يدرك هابيل سر غضب أخيه عليه، لايدرك النقاة عادة دوافع الإثم وشرورهم، لقد تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الأخر.
قال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين.
ردقابيل: وهوا يتمتم لأقتلنك.
رد هابيل: وهوا يستدير عائدا إلى كوخه وأزهاره، لأن بسط إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط إلى يدك لأقتلك إني أخاف الله.
كيف قاتل قابيل هابيل علي لسان الغراب
إنصرف هابيل مع زوجته إقليا، وعاشا أياما، حين ظهرة أعراض الحمل عليها كانت نفس قابيل قد طوعة له قتل أخيه هابيل، وكنا فى ذلك الوقت قد عثرنا على الغراب المغتصب الفار، وبدأة محاكمته.
إستلقى هابيل فى كوخه على الأرض بعد يوم عمل شاق، لم يكد يتوسط حقل الزنابق حتى إستغرق فى النعاس، إنحدرة الشمس نحوا الغرب. إستمرة محاكمة الغراب المعتدى.
إمتلئت السماء بدم الشفق، وتسلل قابيل وهوا يضغط بيديه على فك حمار عثر عليه فى الغابة، إصتادة السباع الحمار واكلة لحمه، وأكلة النسور مابقى منه، وشربة الأرض دمه، وبقى فكه العظمى.
حمل قابيل أول سلاح قاتل فى الأرض، وراح يمضى باحثا عن شقيقه أثاره شئ لسة أدريه، فى الوجه النابيل الحالم.
إستيقظ هابيل وفتح عينيه وأرتفعت يد قابيل بالفك العظمى، وهوة بسرعة إنبثق الدم من هابيل ليملاء صدر قابيل.
- قابيل وهابيل الغراب شاهد، وكيف علمنا الدفن
عادة اليد الأثمة تهوى على الوجه الطيب، وفى الضربة الخامسة إرتطمت يد قابيل بطين الحقل سكنة يدهابيل تماما وأدرك قابيل أنه قد مات لتكون بذلك اول جريمة قتل علي الارض.
توقفت يده عن ضرباته السريعة القاصية، جلسا واجما أمام ضحيته، لم ننتهى بعد من محاكمة الغراب الأثم.
أجلنا المحاكمة للغد أقمنا على الغراب حرسا وإنصرفنا، وقفت على شجرة فوق رأس قابيل ونعقة صارخا: قابيل ماذا فعلة بأخيك هابيل، رفع قابيل نظره إلى- كان وجهه يرتعش.
إستغرقت محاكمة الغراب ساعات فقد كان ينكر، ويكذب التهم المنسوبة إليه، ويجادل. غير أن تقدم المحاكمة كان يضيق الخناق حول عنقه.
طوال الوقت التى إستغرقته المحاكمة كان قابيل يحمل أخاه على ظهره المسكين لا يعلم أنه قد أسن سنة اول جريمة قتل ترتكب بحق إنسان، وهو يسير به لا يعرف ماذا يفعل بجثته.
ذلك أن النسور تحوم حوله، والوحوش تقبل على الرائحة، قابيل يخشى أن يترك أخاه فتلتهمه الوحوش، ولذلك يحمله على ظهره ويسير؟ لا يعرف مالذى يجب عليه فعله، أو أن يتصرف فى جثمانه.
إنتهت محاكمة الغراب المغتصب، وثبتت كل التهم المنسوبة إليه، وأصدر القضاة حكمهم عليه بالموت.
تم تنفيذ الأمر وقع الإختيار على لدفنه، حملته فى منقارى ثم إنطلقت إلى مكان بعيد.
كنت أطير وأحمل فى منقارى حين أحسست أن قدرة خفية توجه أجنحتى نحوا قابيل، لم أرد الإتجاه نحوا قابيل، لأنى لا أحب قابيل ولكن كما ذكرة كان هذا رغما عنى.
أمرنى أحد الملائكة الكرام: أيها الغراب إن الله تبارك وتعالى يبعثك لتورى إبن أدم كيف يوارى ساوئة أخيه.
هبط على الفور بحمل أمام قابيل، ووضعت الغراب الميت أمامى وروحت أحفر الأرض حفرة الأرض بمخالبى ومنقارى ساوية أجنحة الميت إلى جواره رفعته بمنقارى، ووضعته فى لحده صرخت صرختين قصيرتين ثم أهلت عليه التراب.
اول جريمة قتل - قابيل وهابيل الغراب شاهد، وكيف علمنا الدفن
بعدها نظرة لإبن أدم: قالت نظرتى قتلناه بالعدل، ورغم ذلك نعرف لجثته حق الإحترام، أما أنت قتلته غدرا، روحت أنعق وأنهب فى وجهه، وبعدها طرت متجها نحوا الغرب
سمعت وأنا أطير مبتعدا صرخت قابيل وهوا يقول: يا ويلتا أعجزة أن أكون مثل هذا الغراب فأوريا سوءة أخى.
خيل إلى أن الصرخة تليق بالندم، ولم أعرف من أى نبع ألمه يصدر.
أكان نادما من عدد الساعات التى قضاها وهوا يحاول دفنه.
أم كان نادما على قتله بغير الحق.
لا أعرف، كل ما أردة أن أعرفه؛ هوا حال زوجة هابيل، ملئنى السلام حين علمت أنها تنتظر الوضع، أردة أن أطمئن على الجنس البشرى وأتأكد أنه ينحدر من صلب رجل كريم يخاف الله.
أعرف أن أبناء قابيل القاتل سيملئون الأرض، أعرف أن الصراع لن يتوقف بين أبناء الشهيد الطيب، وأبنا السفاح المجرم.
ولربما تكررة مأساة الأب مع الأبناء، أعرف هذا كله، وأجهل الحكمة من وراء هذا كله.
ليسة وظيفتى هى المعرفة، شاهدا كنت على إبن أدم، وإستاذا له لحظة من الزمن؛ لكن مهمتى ليسة هى المعرفة ربما كان الإنسان يعرف.
المصدر: قصص الإنسان فى القرءان